أنت أخي المسلم; تعبد الله ولا تقصر في ذلك دون شك للفوز برضا ه و عفوه, فاحذَرْ كل الحذر من رذيلة الظلم الحالقة!, تأكل كل حسناتك و تزجرُها , و يُؤخذ من سيئات أخيك فتُطرحُ عليك , و بالتالي تُصبح مفلسا يوم القيامة و لا تجدُ لله عذرا, فتُحاسبُ حسابا عسيرا.
كان أبو إدريس , إذا حدّث بهذا الحديث, جثى على ركبتيه.
حديث عظيم! تخشع له القلوب و يهتز له الوجدان ,.إنها ! رذيلة الظلم : تظالُم العباد فيما بينهم أي يظلمون بعضهم بالانتهاك, و التعدي على حقوقهم. و نهانا الله من السقوط في رذائل الظلم التي تلقي في جهنم, الظلم الذي حرّمه الله على نفسه (إني قد حرّمت الظلم على نفسي, و جعلته محرّما بينكم فلا تظالموا). حرامٌ على كل عبد أن يَظلمَ غيره.
أنواع الظلم
و الظلم نوعان الأول: ظلم النفس و أعظمه الشّرك و العياذ بالله مصدقا لقول الله عز و جل ***(( إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ ))*** من سورة لقمان.
و من سورة البقرة ***((و الكافرون هم الظالمون))*** أي; المشركون الذين ظلموا أنفُسهم بموبقة الشرك و لا يغفرُه اللهّ, ثم تلي المعاصي و الذنوب من كبائر و صغائر.
الثاني : ظلم العبد لغيره, و هو موضوعنا أصدقائي الرذيلة التي تؤدّي إلى الإفلاس و إضاعة الحسنات, و لهذا سميت بالرذيلة الحالقة لأنها تحلق الحسنات, عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :** إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته ** ثم قرأ ***(( و كذلك أَخذُ ربِّكَ إذا أخذَ القرى و هي ظالمة إن أخذَهُ أليمٌ شديدٌ ))*** صدق الله العظيم من سورة هود.
إن الله سبحانه بالمرصاد, لكل ظالم افترى بالظلم على أخيه المؤمن, و علينا الحذر من عقاب الله, و التوجه بالنية الخالصة لردّ المظالم لأصحابها و التسامح فيما بيننا.
العبد المظلوم يأخذ من حسنات الظالم, و إذا انتهت حسناته, أو لم يكن له منها نصيب, أخذَ الظالمُ من سيئات المظلوم.
(فلا تظالموا) : يعني لا يظلم بعضكم بعضا, و الظلم من القدرة, و الله عز و جل قد حرّم الظلم على نفسه. و ينبغي للعبد خشية الله و لا يتطاول بظلمه على أخيه, و ألّا يغترّ بقوته و قدرته و يرتكب معصية الظلم.
و كان الله ينبهنا على عزّته و وحدانيته في عبوديته, (يا عبادي! إنكم الذين تُخطئون بالليل و النهار, و أنا أغفر الذنوب, و لا أبالي, فاستغفروني أغفرْ لكم). إن الله يغفر الذنوب لكل خاطئ بالليل و النهار لمن تاب, و استغفر, و لو كانت ذنوبه ما كانت, فإن الله سبحانه و تعالى لا يتعاظمه ذنب, أن يغفره لعبده التائب.
أما حق المظلوم فالتوبة وحدها لا تُسقِطُه, و تبقى ناقصة إلى غاية ردّ مظلَمَته, و تعويضه في الدنيا و مسامحته قبل الآخرة.
( يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته, فاستطعمُوني أطعِمْكم). كلنا نحتاج إلى الطعام, و ليس باستطاعتنا الغنى عنه, و نحن جائعون إلا إذا رزقنا الله من طعامه, و يسّره لنا و لا أحد سواه, و يجب علينا الدعاء لله لطلب الرزق من الطعام و الشراب إلى غير ذلك.
(يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسَوته, فاستكسوني اكْسكُم). كل إنسان يحتاج الى اللباس و الكسوة, لستر عورته و ليدعو الله ليستجيب له.
إن عباد الله لا يملكون شيئا في تسيير أمورهم الدنيوية, إلا ما منّ الله عليهم من فضله و رزقه, فهو سبحانه هو الرزّاق, و الله يحب الدعاء و يحب من عبده أن يسأله في دينه و دنياه, يسأله المغفرة, فيغفر له و يسأله الطعام و الشراب و اللباس, فيعطيه.
كما كان السلف يسألون الله في صلاتهم كل شيء, كما قالت عائشة رضي الله عنها (سلوا الله كل شيء حتى الشسع , فإن الله إن لم ييسّره , لم يتيسّر). و الشسع : يعني سير النعل الذي يربط به.
(يا عبادي! لو أن أولكم و آخركم, و إنسَكم و جِنًكم, كانوا على أتقى قلب عبدٍ منكم, لم يزد ذلك في ملكي شيئا, و لو كانوا على أفجر قلب رجل, لم ينقص ذلك من ملكي شيئا).
هو الله الملك المنزّه, و تقوى عباده من الجن و الإنس لا تزيد في ملكه شيئا, و معصية العباد لا تنقص من ملكه شيئا -فسبحان الله عما يشركون-. فإن ملكه متعلق بنفسه و هو خالق كل شيء, و برّ الأبرار من عباده و فجورهم لا يزيد و لا ينقص من ملكه الذي هو بمشيئته و قدرته.
(و لو اجتمعوا في صعيد واحد). و لو اجتمعوا في مقام واحد لا يزيدون, و لا ينقصون من ملكه شيئا.
( فسَألوني فأعطيت كلَّ انسان منهم ما سأل, لم ينقص ذلك من ملكي شيئا, إلا كما ينقص البحر أن يُغمسَ فيه المِخيَطُ غمسة و احدة).
أعطى الله كل إنسان ما سأل فضلا و إكراما منه على عباده, ولا ينقص من ملكه شيئا, إلا كما ينقص البحر أن يغمس في المخيط غمسة واحدة, و المخيط : هو الإبرة عندما تغمس في البحر لا تنقص من البحر شيئا, و هو الغني و الكمالُ له وحده.
(يا عبادي! إنما هي أعمالكم أجعلها عليكم, فمن وجد خيرا, فليَحمدِ الله, و من وجد غير ذلك فلا يلوم إلا نفسَه). يحصي الله جميع أعمال عباده, و من وفقه الله الى العمل الصالح, فليحمد الله و ذلك من توفيق الله, و من وجد غير ذلك من العمل الغير الصالح أي; وجد شرا فاللّوم على نفسه و هو يتحمل أوزارها.
قال العلماء: أبو إدريس هو الراوي عن أبي ذر (إذا حدث بهذا الحديث جثى على ركبتيه) يعني تعظيما و خشوعا لهذا الحديث القدسي.
اللهم اغفر لنا و تجاوز عن سيئاتنا و لا تجعلنا يا ربي من عبادك الظالمين اللهم آمين و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.