أخر الاخبار

من آداب و شروط الذكر في السنة النبوية

باسم الله الرحمن الرحيم. و الصلاة و السلام على الحبيب المصطفى, و على آله و أصحابه أجمعين أما بعد:

أخي المسلم, إن ذكر الله عز و جل من أسمى الفضائل الأخلاقية. التي يتصف بها كل مسلم  متَّصلٍ بربه جل و علا, و الذاكرون لله عز و جل يختلفون في درجات آداب و شروط الذكر, و يتباينون حسب الخشوع, و في مدى تسكين الجوارح و حضور القلب, و الإقبال على الله, فكيف صديقي المسلم نصل إلى أسمى الدرجات بذكر المعبود سبحانه و تعالى ؟!


من آداب و شروط الذكر في السنة النبوية


الاقتداء بالنبي في آداب و شروط الذكر

ينبغي علينا أولا و قبل كل شيء, الاقتداء بخير الهدي, هدي النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك , و ما جاء به العلماء من السلف الصالح من تفسير و شرح . و إليكم إخوتي في الله ما تركه العلماء من شروط و آداب :


كل ما نحتاج إليه عند العزم على الذكر, هو التخلص من كل ما يشغل البال في الباطن و الظاهر, و ترويد النفس و الجوارح, على السكون و وقف الحركات الشَّاغلة, و محاولة قطع الأفكار المشوشة ,و ترك التفكير في الأمور الدنيوية, و إشعار النفس بعظمة ما نعزم عليه من ذكر الله جل و علا, بحضور القلب في الدعاء و بنية و إخلاص و التقيّد بشروط الذكر كما جاء في السنة النبوية.

شروط الذكر

اختيار المكان و الزمان المناسبين

اختيار المكان البعيد عن الضوضاء, و المجالس التي يدور فيها تبادل الكلام الذي يجلب السمع إليه, لأنه يفقدك التركيز أثناء الذكر , و تجنب المكان الجالب, و الجذَّاب للبصر, كالصور المزخرفة, فعن أنس قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه و سلم :** أميطي عنا قِرامك هذا, فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي .** 


و المعنى; أن الرسول صلى الله عليه و سلم أمر عائشة بإزالة القرام, و القرام هو: عبارة عن ستر رقيق من الصوف به ألوان و نقوش, مما يدل على أن الأشياء الظاهرة, و الصور المزخرفة, لها تأثير على القلوب الطاهرة, و النفوس الزكية,  و اختيار الوقت المناسب, الذي يتصف بالسكون الطبيعي, و أفضل أوقات الذكر, في ثلث الليل الأخير, ففيه الخير و البركة, كما أنه وقت شريف, ينزل فيه الرب جل و علا ليستجيب, و يغفر فيه لعباده, وفيه يزداد القلب خشوعا.


خشوع البدن و الجوارح

تأسيا بصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم, كما وصفوهم العلماء, كانوا إذا سمعوا القرآن. فكأن على رؤوسهم الطير!,فاعلم أخي المسلم,  لنيل ثمرة الذكر, لا بد من تفريغ الباطن و تهيئة النفس, بتسكين الجوارح  والحضور بقلب سليم خاشع لله سبحانه و تعالى.


حضور القلب 

و حضور القلب, شرط مهم  في الذكر, و في كل العبادات, لأن الله ينظر إلى قلوبنا. يقول الله عز و جل :***((و اذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة و دون الجهر من القول بالغدوّ و الآصال و لا تكن من الغافلين ))*** صدق الله العظيم.


يأمرنا ربنا عز و جل بذكره تضرعا, و خشية منه, في النهار و المساء, و بدون الجهر في ذلك لإظهار الأدب و الخشوع مع الله.

 و عدم الغفلة و الذكر باللسان, دون حضور القلب ليس مفيدا, بقدر حضورهما معا كما قال خير الأنام صلى الله عليه و سلم :** اعلموا أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه ** رواه الحاكم و الترمذي.


و السبب في ذلك هو الفوز بطمأنينة القلب, و تحقيق الخشوع للمَذكُور المعبود جلّ و علا, حيث قال: ***((الذين آمنوا و تطمئنُّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب ))***. صدق الله العظيم.


و اعلم أخي يرحمك الله, أن حضور القلب يلزمه اتخاذ الأسباب في ذلك, كالتمهل و عدم العجلة, و عدم الجهر في الذكر, و البحث في صميم القلب عن حلاوة الذكر, وملازمة الاجتماع مع الصالحين من أهل الذكر في مجالسهم والاستفادة من تجاربهم.


صفاء القلب و إشغاله بمحبة الله عز و جل

من شروط الذكر; العلم باليقين بأن الله يعلم ما في قلوبنا, و ينظر إليها, و الله لا يسمع من عبد و قلبه لاهِ مشغول بغيره, أو يثني على الله, و قلبه يثني على سواه, أو يتعوّذ من عذابه و قلبه يخاف من عباده. و لهذا عليك صديقي المسلم أن تُحب الله عز و جل, ومن آداب الذكر أن تستحي من الله سبحانه و تعالى, و تتقرب إليه بالنوافل لتنال محبته.


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :** إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا , فقد آذنته في الحرب , و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب الي مما افترضت عليه , و ما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبّه , فإذا أحببته , كنت سمعه الذي يسمع به , و بصره الذي يبصر به , و يده التي يبطش بها , و رجله التي يمشي بها و إن سألني أعطيته , و لئِن استعاذني لأعيذنّه ** رواه البخاري.

لا تتخذ وليّا من دون الله, فهذا منكر كبير, يؤدي الى الشرك. و إعلان الحرب من الله عز و جل, لا نعبد, و لا نذكر إلا الله جل في علاه, و ذلك بالاجتناب عما نهانا, و التقرب اليه بم شرع لنا من فرائض, و الحديث القدسي بين لمن أردا محبة الله عز وجل, بالمواظبة على  الرواتب, التي تأتي بعد صلوات الفريضة, من حافظ عليها ينال الدرجة الرفيعة و توجب له  محبة الخالق.


و دوام الذكر باللسان دون القلب, يأتي بعده حضور القلب لا محالة, و الذكر بالقلب ينتقل حتما إلى اللسان. فيكتمل الذكر و أفضله ما واطأ فيه القلب اللسان كما قال علماء السلف كابن القيم رحمه الله.


 الشعور بعظمة العزم على الذكر

أن يشعر الذاكر في سيرورة نفسه, أنه يُقدم على عمل عظيم و جليل; ألا و هو ذكر الله سبحانه و تعالى مصداقا لقوله ***(( و لذكرُ الله أكبر))*** من سورة العنكبوت.

ذكر الله أكبر, من كل عبادة, شرفا و قدرا من أي تصور نتصوره.


تجويد الذكر

أن يُذكر الله بصوت حسن, و القراءة بصوت حزين. تخشع له الأنفس, و يخشع له من وقع على سمعه, و الرسول صلى الله عليه و سلم كان يحب أن يسمع القرآن من غيره, و هو عبد الله بن مسعود كان صاحب صوت شجيّ, و هو الذي أبكى الرسول صلى الله عليه و سلم حين قرأ عليه صدر سورة النساء , و مدحه النبي بقوله : ** من أحب أن يقرأ القرآن غضّا كم أنزله , فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد **

الإطالة في مجلس الذكر

الإطالة في الذكر قدر المستطاع, تعظيما, و إجلالا لذكر الله عز و جل, والتقرب اليه بالنوافل كما ذكرنا, لأنك تجلس مع الله, و بالتالي تزداد قربا إليه, و مجالس الناس ليست كمجالس المذكور المعبود سبحانه و تعالى.

بعد الانتهاء من مجلس الذكر

من آداب و شروط الذكر; صيانة النفس الأمّارة بالسوء, من ارتكاب المعاصي, و الابتعاد عن إضاعة الوقت في اللهو, و استحضار نيّة التقوى, بالمباح على ذكر الله و طاعته, ريثما يحين وقت مجلسه ,و الفوز بثمرة الذكر و الثواب و نيل مرضاة الله.

من فوائد الذكر

يقول الله عز و جل في سورة البقرة : ***(( فأذكروني أذكركُم ))***.

من الفائدة العظيمة أن يذكرنا الله عنده, و في خير المجالس التي نذكرها نحن فيه, يذكرنا الله  بتنزيل رحمته علينا, وتفريج كرب الدنيا عنا, و المغفرة و الأجر العظيم .


اللهم أعنا على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
تعليقات

اعلاان




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-