أخر الاخبار

استقبال شهر رمضان في ضوء السنة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين أما بعد:

صوم رمضان: من أركان الإسلام, و هو فرض عين, فرضه الله على كل مسلم بالغ, عاقل, قادر و مقيم, و يُعرف البلوغ بالاحتلام و نزول المني عند الرجل, و ظهور شعر العانة, و عند الأنثى بالحيض, أو بلوغ سن خمسة عش, فمتى حصلت أحد هذه الشروط حصل البلوغ و وجب تحقيق جميع الفرائض التي من بينها, صوم  شهر رمضان فكيف نستقبله في ضوء سنة النبوية.



استقبال شهر رمضان في ضوء السنة النبوية


كيف نستقبل شهر رمضان في السنة النبوية؟

بعد حمدنا لله عز و جل على تبليغنا شهر رمضان, وجب علينا أن نستقبله الشهر الفضيل, شهر الرحمة و التوبة و الغفران, إذا كيف نستقبله؟ هل بادٍخار أصناف المأكولات و أنواع العصائر بالثلاجات؟ أم بشدِّ المأزر, و الاستعداد للصيام و القيام, و فعل الخيرات, و إفطار الصائمين, و التنافس لنيل الأجر و الثواب كما قال الله عز و جل:***((و في ذلك فليتنافس المتنافسون)).

تحري هلال شهر رمضان

تحري شهر رمضان, يكون برؤية الهلال, أو إكمال عدّة شعبان ثلاثين يوما, عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: *** لا تصوموا حتى تروا الهلال و لا تفطروا حتى تروه ة فإن أغمي عليكم فاقدروا له *** رواه البخاري و مسلم.


و عند ثبوت رؤية الهلال من السنة; أن نستقبل القبلة و نشرع في هذا الدعاء و نحن مسرورين مبتهجين, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى الهلال قال:*** اللهم أهلَّه علينا بالأمن و الإيمان , و السلامة و الإسلام ,و التوفيق لما تحب و ترضى , ربنا و ربك الله ***.


نعم أصدقائي! نستقبل أفضل الشهور, شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. فيه تتضاعف الحسنات و تمحى فيه السيئات, أوله رحمة, و أوسطه مغفرة, و أخره عتق من نار, جعل الله الصيام فيه فريضة مصداقا لقوله سبحانه و تعالى:***((يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))***.


و قال أيضا جل جلاله: ***((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان ، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ))***.

و قيام ليالي رمضان تطوعا; فمن صام إيمانا, و احتسابا, غفر له ما تقدم من ذنبه, و من منَّ الله عليه بعمرة, كان كمن أتى بحجة و فيه تفتح أبواب الجنة و تغلق أبواب النار و تغلّ الشياطين.


إخواني و أحبتي, نستقبل رمضان بالحمد و الشكر لله عز و جل, على بلوغنا لشهر الرحمة. فاللهم بلغنا شهر رمضان, فكم من صديق حميم أو قريب من الأقرباء, كان يصلي الى جانبك, و يعتكف في المسجد معك في صف واحد, و اليوم هو غائب عنك تحت التراب ينتظر دعوة صالحة, منك أنت أخي المسلم! المدرك لشهر الصيام.


نحن بحق سعداء بقدوم رمضان, ثبت عن رسول الله عليه الصلاة و السلام, أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول :***جاءكم شهر رمضان , شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان و تغلق فيه أبواب الجحيم *** اخرجه أحمد.


و فيه أُنزل القرآن قال الله عز و جل: ***(( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان))***.

نستقبل شهر رمضان بترك المنكرات, و الابتعاد عن الملاهي, و كل ما يشغلك عن ذكر الله, و التفرغ لملء وقتك بقراءة القرآن, و التذاكر فيما بيننا لأحكام الصيام, و فرائضه, و مستحباته, و التقرب الى الله بالأعمال الصالحة, و التصدق على الفقراء, و الدعوة الى الله عز و جل بالوعظ, و الدعاء بالهداية لجميع إخواننا المؤمنين, و إعلان التوبة النصوح لمن لم يتب, على أن تكون فردا صالحا للمجتمع و تنفع الناس. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: *** خير الناس أنفعهم للناس *** قال الألباني حديث حسن رقم: 3289 في صحيح الجامع.


في الفيديو التالي: يشرح لنا الشيخ محمد صالح المنجد -حفظه الله- كيف نتهيأ و نستثمر في شهر رمضان, تابعوا و في الموضوع بقية.



الإخلاص في الصيام لله وحده

الله هو المعبود, و لا نعبد سواه, و لا نصوم إلا لله وحده, و جزاء الصيام, هو عند الله, يجزي به عباده الصائمين, قال عليه الصلاة و السلام: *** كل عمل ابن آدم يُضاعف , الحسنة عشر أمثالها , الى سبعمائة ضعف , قال الله عز و جل : إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به , يدع شهوته و طعامه من أجلي , للصائم فرحتان : فرحة عند فطره , و فرحة عند لقاء ربه , و لخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك ***. حديث صحيح رواه الشيخان و خلوف فيه أي رائحة فمه و هو صائم .


و المعنى: أن الله اختصَّ الصيام لنفسه عن بقية الأعمال, و خصّه بمضاعفة الحسنات, و أن الإخلاص في صيام شهر رمضان, أعمق فيه من غيره من الأعمال, و هو سبحانه و تعالى وحده الذي يتولّى مكافأة الصائم الذي يسعد في دنياه و آخرته.


و في جميع العبادات, يجب الحرص على صلاة الجماعة, و صلاة الفجر, و قيام الليل, كصلاة التراويح بالمساجد,  و التهجد تأسيا بالنبي عليه الصلاة و السلام.


التسامح و الصفح في شهر رمضان مع إخوانك المسلمين, احرص على ذلك -يرحمك الله- أخي الصائم! و ألا تكون بينك و بين أي مسلم شحناء, و اعلم أن إصلاح ذات البين; من أعظم الأعمال التي يحبها الله عز و جل, و تزيد بها تقربا اليه.


مدارسة القرآن, و السعي وراء الخيرات, من جود و كرم, عن ابن عباس - رضي الله عنهما- كان رسول الله صلى الله عليه و سلم; أجود الناس, و كان أجود ما يكون في رمضان, حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن, و لقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم; أجود بالخير من الريح المرسلة.


البحث عن الصائمين المحتاجين, من الفقراء و عابري السبيل لإفطارهم, و هذه من اعظم الأعمال الجليلة في رمضان, لما فيها من إدخال الفرحة الى قلوب الصائمين.


أجر الصيام

مضاعفة الحسنات, و أجر الصيام يشفع للعبد يوم القيامة, و ينجيه من النار. لقوله عليه الصلاة و السلام: *** الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ’ يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشَفِّعني فيه, و يقول القرآن: منعته النوم بالليل فشَفِّعني فيه , قال : فيشفعان ***.


و قال صلى الله عليه و سلم:*** الصيام جُنَّة , و حصنٌ حصينٌ من النار ***. أخرجه أحمد في مسنده من حديث ابي هريرة, و حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد, و الألباني في صحيح الجامع (3880).

و الصائم دعاؤه مستجاب, فعليكم أصدقائي القراء بكثرة الدعاء في شهر رمضان خاصة عند الإفطار.


و اختصَّ الله عبادة الصائمين بدخولهم الجنة من باب من أبواب الجنة, يدخلون منه دون غيرهم. فعن سهل بن سعد رضي الله عنهما يقول النبي صلى الله عليه و سلم : *** إن في الجنة بابا يقال له الرَّيَّان , يدخل منه الصائمون يوم القيامة, لا يدخل منه أحدٌ غيرهم, يُقال: أين الصائمون ؟ فيقومون, لا يدخل منه أحد غيرهم , فإذا دخلوا أُغلق , فلم يدخل منه أحدٌ***. أخرجه البخاري و مسلم.


فوائد الصيام 

منَّ الله على الصائمين في شهر رمضان بفوائد جليلة صحية و نفسية. أولها تطهير النفوس, و تهذيبها, و كبح جموح النفس الأمارة بالسوء, و ترقية القيم و الأخلاق, و روح الـتآزر و التآخي,  بين فئات المجتمع.


 قدرة التحمل و الصبر على الجوع و العطش, و التغلب على الشيطان الرجيم, بتضييق مجاري الطعام و الشراب, فكلما نقص الأكل ضعفت الشهوة, و كلما ضعفت الشهوة قلّت المعاصي, و بالتالي رقة القلب, و ترطيب اللسان بذكر الله عز و جل, و إنارة طرق الطاعات للمسلم الصائم, و الفوز بتقوى الله, و الإحساس بالفقراء و المحتاجين, و معاناتهم اليومية للحصول على القوت .


وفوائد الصيام في رمضان الصحية; كثيرة لا تحصى, يتفق جل العلماء و الأطباء المشهورين, على أن الصيام ظاهرة حيوية فطرية, و وظيفة هامة, من وظائف الحياة السوية للإنسان, لبقاء جسم الانسان في صحة و نشاط دائمين.


 من أهم فوائد الصيام; تعزيز جدار جهاز المناعة, لأن الصوم يعمل على التخلص من الخلايا المناعيّة القديمة, و تعويضها بخلايا مناعيّة جديدة, و التخلص من تلك السمنة الزائدة, و خفض نسبة الكوليسترول, و السموم المتراكمة في الجسم من الأغذية.


 تحسين وظائف الهضم, و الامتصاص في أمعاء الانسان, تنشيط الخلايا و الأنسجة في جسم الانسان, و إزالة الخلايا التالفة, و الوقاية من الأمراض الجلدية, لأن الصوم يقلل نسبة الماء في الدم و بالتالي; تنقص نسبته في الجلد. فتتطور مناعة الجلد لتقاوم الميكروبات, و الأمراض الجرثومية الى غير ذلك ...


آداب الصيام

من آداب الصيام في شهر رمضانيجب مراعاة الشرع, و بما جاء في القرآن الكريم, و باتباع سنة النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم تأسيا به, فعلى الصائم أداء أحكام الصيام كاملة و المحافظة عليها لتمام الصيام من هذه الآداب:


الدعاء عند رؤية الهلال, بابتهاج و سرور,  و حضور النية الخالصة, و أن يصومه في وقته المحدد شرعا, فلا يتقدم عليه و لا يتأخر عنه , قال عليه الصلاة و السلام :*** لا تصوموا حتى تروا الهلال , و لا تفطروا حتى تروه ***و في قوله أيضا : ***إذا رأيتم الهلال فصوموا , و إذا رأيتموه فأفطروا ***.


قال صلى الله عليه و سلم : *** تسحروا , فإن في السحور بركة *** و قال عليه الصلاة و السلام : *** البركة في ثلاثة: في الجماعة , و الثَّريد و السّحور *** أخرجه الطبراني في الكبير (251/6) و البيهقي في شعب الإيمان (68/6) من حديث سلمان رضي الله عنه , والحديث حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (36/3).


قوله صلى الله عليه و سلم: *** إن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين ***أخرجه أحمد في مسنده (12/3). من حديث أبي سعيد الخدري, و اخرجه ابن حبان (245/8) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما و الحديث حسنه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيح (212/3).

يجب على كل صائم; أن يراعي وقت السحور في شهر رمضان, و يداوم عليه, و يستحب تأخيره لأن فيه بركة,  و الملائكة تصلي على المتسحرين فهو; عبادة لا يحق لنا التفريط فيها, و جعله النبي صلى الله عليه و سلم عبادة نتميّز بها -نحن المسلمين- عن أهل الكتاب, فقال عليه أفضل الصلاة و السلام :*** فصلُ ما بين صيامنا و صيام أهل الكتاب أكلَةُ السَّحر ***. أخرجه مسلم في الصيام (488/1) رقم (1096) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما.


و أحسن السحور; يكون على التمر, و إن لم يجد, على جرعة ماء مصداقا لقوله عليه الصلاة و السلام :*** تسحروا و لو بجرعة ماء ***. وقت السحور قبيل الفجر, و ينتهي حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر, و إذا سمع النداء و الإناء على يده أو كان يأكل, فله أن يتم طعامه لما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم إذ يقول: *** إذا سمع أحدكم النداء و الإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ***. أخرجه أحمد و أبو داود في الصيام و الحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيح (381/3).


الرخصة الواردة في الحديث واضحة, يستحب تأخير السحور, و تعجيل الفطور في شهر رمضان, يقول النبي صلى الله عليه و سلم: ***إنا معشر الأنبياء أٌمرنا أن نعجل إفطارنا, و نؤخر سحورنا, و نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ***. أخرجه ابن حبان (67/5) و البيهقي في السنن الكبرى (238/4) من حديث ابن عباس , و صححه الألباني في صحيح الجامع (2286).


و كان وقت انتهاء النبي صلى الله عليه و سلم من سحوره و دخوله لصلاة الفجر; قدر خمسين آية متوسطة, فعن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : *** تسحرنا مع النبي صلى الله عليه و سلم , ثم قام الى الصلاة , قلت : كم كان بين الأذان و السحور ؟ قال : قدر خمسين آية ***.


هذا هو ما كان عليه نهج الصحابة -رضوان الله عليهم- تأخير السحور, و تعجيل الفطور, عن عمرو بن ميمون الأوديِّ قال: ** كان أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أسرعُ الناس إفطارا و أبطأهم سحورا **.


هذه هي ;سنة نبينا عليه الصلاة و السلام معشر الصائمين, و هذه فرصتنا, و نحن نستقبل شهر رمضان المبارك, في إحياء سنة النبي و الظفر بالخير, و الدوام عليه. مصداقا لقوله صلى الله عليه و سلم: *** لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطرَ ***. و قوله أيضا عليه الصلاة و السلام: *** لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم ***. و قال أيضا صلى الله عليه و سلم: *** لا يزال الدّين ظاهرا ما عجل الناس الفطر, لأن اليهود و النصارى يؤخرون ***.


واجب أيضا تقديم الفطر على صلاة المغرب, لقول أنس رضي الله عنه :** ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قطّ صلى صلاة المغرب حتى يفطر و لو على شربة من ماء **.


كان يفطر عليه الصلاة و السلام , في شهر رمضان على رُطبات, فإن لم يجد, فعلى تمرات فإن لم يجد, فعلى ماء لحديث أنس بن مالك عنه قال: ** كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي , فغن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء **.


دعاء الصائم عند الإفطار, لقوله عليه الصلاة و السلام : *** ذهب الظمأ و ابتلت العروق , و ثبت الأجر إن شاء الله ***. 

كما كان النبي عليه الصلاة و السلام, في شهر رمضان يكثر من أنواع العبادات, و أفعال الخير و قراءة القرآن, و يطيل قيام رمضان أكثر مما يطيله في غيره, و يتصدق بالعطايا, و يحسن للفقراء, و يجتهد في العشر الأواخر, اعتكافا و قياما, و قراءة و ذكرا, ما لا يجتهد في غيره, ففي الحديث : *** إذا دخل العشر شدّ مئزره و أحيا ليله, و أيقظ أهله ***.


العمرة في رمضان

العمرة في رمضان لها ثواب عظيم, تعادل أجر حجة, إذ يقول عليه الصلاة و السلام: لعائشة رضي الله عنها *** فإذا جاء رمضان فاعتمري , فإن عمرةً فيه تعدل حجة ***و الصلاة في مسجد مكة و المدينة قائلا عليه الصلاة و السلام : *** صلاةٌ في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ***.


كف الجوارح , عن جميع المحرمات; كاللسان عن الكلام الفاحش, كالغيبة, و النميمة, و الشتم و الخصام, و الكذب و قول الزور,  كما جاء في الحديث الشريف: *** من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه ***.


عدم إضاعة الوقت في شهر رمضان, فيما لا يفيد, كمشاهدة الفيديوهات المضحكة, و سماع الموسيقى بجميع أصنافها, و عدم الاستماع الى كل ما هو مذموم شرعا, و كف النفس, و البدن عن جميع الشهوات, و المحرمات, يجب غض البصر, و عدم التردد على الأماكن المشبوهة, أو الجلوس في الشوارع من غير فائدة. و لا يأكل إلا الطيبات من غير إسراف أو تبذير, راجيا من المولى عز و جل, و متوكلا عليه بالذكر و الاستغفار, و التوبة اليه لقبول صيامه.


المحافظة على الصلاة المفروضة, و صلاة القيام مع الجماعة في المساجد, كصلاة التراويح, كان النبي صلى الله عليه و سلم يرغب أصحابه في قيام رمضان قائلا: *** من قام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ***.


الحرص على العشر الأواخر من الشهر, و الاستعداد لقيام ليلة القدر, و نيل الأجر العظيم لمن قامها إيمانا و احتسابا, يغفر له ما تقدم من ذنبه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : *** من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ***.


و جاء في فضل قيام رمضان  جماعةً, قوله عليه الصلاة و السلام : *** إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام ليلة ***.


من السنن المهجورة في شهر الصيام 

من واجبنا اليوم -كمسلمين- أن نجتهد في إحياء السنن, و أن نقف جميعا في تذكير بعضنا البعض, بما أمرنا حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم, و بما شرّع لنا من أركان, و واجبات, و الاستماع الى دروس علماء السلف الصالح في العودة الى سنة النبي الكريم. و تدارك ما تناسيناه عنه, و ما هجرناه خاصة ونحن مقبلين على شهر رمضان, شهر الرحمة و التوبة و الغفران. فلنسعى جاهدين الى مرضاة الرب جلا و علا,  بصيامنا و قيامنا,  و مستغلين لرخص الله سبحانه و تعالى, ملتزمين بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : *** إن الله يحب أن تؤتى رُخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ***. و في رواية كما يكره أن تؤتى معصيته.


أصدقائي الصائمون!, هناك حديث شريف - أذكركم به - وقف على شرحه و تبيانه جل العلماء, كالألباني رحمه الله, و هو قول الرسول صلى الله عليه و سلم : *** لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر و أخرو السّحو ***.


لطالما أهملنا هذا الحديث تطبيقا و عملا, ينبغي علينا التعجيل بالإفطار,  مع إدراك صلاة المغرب جماعة في المسجد, فهنا أمران اثنان قد أهملهما عامة المسلمين, لأنه كما يبدو لهم أنه لا يمكن الاستعجال بهما معا, الفطر و التعجيل بصلاة المغرب في شهر رمضان, و لعلكم إخوتي, ترون أن بعض المسلمين لا يرتادون المساجد وقت الفطر, يكتفون بالصلاة في المنزل و الجلوس أمام مائدة رمضان.


التعجيل بالفطر و صلاة المغرب جماعةَ, أمرهما بيّن و سهل, و هو العودة الى الرسول صلى الله عليه و سلم فعلا و عملا, حيث كان عليه الصلاة و السلام يفطر على ثلاث تمرات, ثم يصلي المغرب, ثم يعود و يأكل, إن وجد في نفسه حاجة للطعام.


نحن في شهر رمضان, نقع في مخالفتين أولا: تأخير الأذان عن وقته المشروع, و يعود السبب الى تلك الحسابات الفلكية المعتمدة على الأرض المستوية, بينما الأرض تختلف بين انخفاض بوادي و بين هضبة و بين جبل, و يقول الألباني رحمه الله في تفسيره لا يصح أن يكون التوقيت واحدا, يشمل الساحل, و يشمل السهل, و يشمل الجبل, فلكل أرض وقتها في الغروب, و عامة الناس لا يفطرون حتى يستمعوا الأذان, فإذا سمعوا الأذان جلسوا للطعام , كأنهم على مائدة الغذاء أو العشاء, و ليسوا هم في إفطار, و يتخلفون على صلاة المغرب في المسجد.


من الأفضل في شهر رمضان; على كل مقيم في بلده أو قريته أن يرى غروب الشمس بأم عينه, فإذا ما غربت أفطر على ثلاث تمرات, ثم التوجه مباشرة الى المسجد لصلاة المغرب, كما جاء في الحديث *** لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر***.


لقد حرص النبي عليه الصلاة و السلام, على هذه السنة تعليما و تطبيقا, فالملاحظ أن الإفطار المستعجل به شرعا يجب أن يكون على تمرات, و إن لم يتيسر, فعلى جرعات ماء , ثم التعجيل بصلاة المغرب في المسجد, ثم بعد ذلك يجلس الناس في بيوتهم و يأكلون كفايتهم.


و الأمر الثاني; تأخير السحور في شهر رمضان, كما ورد في الأحاديث السابقة عكس الإفطار, فالإفطار أمرنا الرسول بتعجيله, أما السحور فيجب التأخر به, لكن ما يقع اليوم هو خلاف للسنة القولية و العملية, بحيث معظم الناس يتسحرون قبل طلوع الفجر بساعة أو تزيد. كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يتأخرون بالسحور حتى يكاد أحدهم أن يسمع الأذان و هو يأكل و الدليل في قوله عليه الصلاة و السلام: *** إذا سمع أحدكم النداء و الإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ***.


و الإناء سواء كان إناء طعام أو شراب, يقول علماء السلف: أنه يحرم الطعام بالأذان لمن كان مكتفيًّا منه, فلا يجوز له أن يزداد شرابا أو أكلا و قد سبق وأن أنهى سحوره.


أما إذا سمع الأذان, و لم يأخذ حاجته  من طعامه و شرابه, فلا بأس بذلك و الرسول صلى الله عليه و سلم, يبيح و يرخّص لنا ذلك قائلا: إذا سمع أحدكم النداء و الإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته أو يطلب حاجته منه ***.


و اعلم صديقي المسلم; أن المقصود كما -فسر العلماء- هنا بالنداء: هو النداء الثاني , الأذان الثاني و ليس الأذان الأول الذي يسمونه بأذان الإمساك, و هذا منافي تماما للسنة, و يجب العلم أنه ليس له أصل أن نسمي الأذان الأول بأذان الإمساك في رمضان.


بل الأذان الثاني هو المقصود بأذان الإمساك و صلاة الفجر و هذا صريح في القرآن الكريم لأن الله عز و جل يقول ***((فكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر))*** 

يحرم الطعام و الشراب في الوقت الذي تحلّ فيه صلاة الفجر, فلا إمساك قبل ربع ساعة أو أقل أو أكثر, لأن الصلاة إنما تجب بطلوع الفجر الصادق, و الطعام و الشراب يحرم على الصائم بطلوع الفجر الصادق, كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : *** لا يغرّنّكم أذان بلال ***.


أي الأذان الأول, فإنما يؤذن ليقوم النائم و يتسحر المتسحر, فكلوا و اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم .


لقد بين الحبيب عليه الصلاة و السلام في مسألة سحور المتسحر, و رخّص لنا فيه حتى قال: *** إذا سمع أحدكم النداء و الإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ***


فلا يقول قائل في شهر رمضان, إذا سمع الأذان الثاني, و اللقمة في فمه أن تُلفظ و تُرمى أرضا, هذا ليس من السنة, بل خلاف لها, و لما جاء به النبي الصادق الأمين صلى الله عليه و سلم. و هذا الحديث قال عنه الألباني رحمه الله أنه في أشهر كتب السنة منها; سنن أبي داوود, و هو الكتاب الثالث من الكتب الستّ المشهورة, أولها صحيح البخاري, ثانيها صحيح مسلم, ثالثها سنن أبي داوود, كذلك رواه أبو عبد الله الحاكم في مستدركه, و أخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه العظيم المعروف بمسند الإمام أحمد.


من فتاوي الصيام عن الشيخ محمد بن صالح العثيمين

نختم موضوعنا أيها الإخوة, ببعض فتاوي الصيام عن الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: كلمة رمضان كريم غير صحيحة, و إنما يقال رمضان مبارك, و مأ أشبه ذلك لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريما, و إنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل, و جعله شهرا فاضلا, و وقتا لأداء ركن من أركان الإسلام.


جوابه رحمه الله عن السؤال هل لقيام رمضان عدد معين أم لا؟

ليس لقيام رمضان عدد معين على سبيل الوجوب, فلو أن الانسان قام الليل كله فلا حرج, و لو قام بعشرين ركعة أو خمسين ركعة فلا حرج, و لكن العدد الأفضل ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله, و هو إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة, فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنا سئلت : 


كيف كان النبي يصلي في رمضان ؟ فقالت لا يزيد في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة, و لكن يجب أن تكون هذه الركعات على الوجه المشروع, و ينبغي أن يطيل فيها القراءة, و الركوع و السجود, و القيام بعد الركوع, و الجلوس بين السجدتين, خلافا لما يفعله بعض الناس اليوم, يصليها بسرعة. تمنع المأمومين أن يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه, و الإمامة ولاية, و الوالي يجب عليه أن يفعل ما هو أنفع و أصلح , و كون الإمام لا يهتم إلا أن يخرج مبكرا هذا خطأ, بل الذي ينبغي أن يفعل ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله من إطالة القيام و الركوع ,و السجود, و القعود, حسب الوارد, و نكثر في شهر رمضان من الدعاء و القراءة و التسبيح و غير ذلك.


قال الشيخ رحمه الله : أيها الناس , اتقوا الله تعالى و قوموا رمضان فإن **من قام رضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه **

و اعلموا أيها الناس, أعلموا أن صلاة التراويح من قيام رمضان, و لكنها سميت تراويح, لأن الناس في السلف الصالح كانوا كلما صلوا أربع ركعات استراحوا قليلا,  فصلوا صلاة التراويح بطمأنينة و خشوع و حضور قلب.


السؤال : هل يفطر الصائم بأخذ الإبر في الوريد؟ 

جواب الشيخ : لا يفطر الصائم بأخذ الإبر في الوريد, و لا في غيره , إلا أن تكون هذه الإبرة قائمة مقام الطعام, بحيث يستغني بها الانسان عن الأكل و الشرب, فأما ما ليس كذلك فإنها لا تفطر مطلقا, سواء أخذت من الوريد أو من غيره. و ذلك لأن هذه الإبر ليست أكلا و لا شريا, و لا بمعنى الأكل و الشرب, و على هذا فينتفي عنها أن تكون في حكم الأكل و الشرب.


السؤال : ما حكم من مات و عليه قضاء من شهر رمضان ؟ 

جواب الشيخ : إن مات و عليه قضاء من رمضان فإنه يصوم عنه وليّه, و هو قريبه أو وارثه, لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: *** من مات و عليه صيام صام عنه وليه ***, فإن لم يصم وليه أطعم عنه عن كل يوم مسكينا.


هل الاعتكاف له أقسام أم أنه قسم واحد ؟

الاعتكاف ليس إلا قسم واحد كما أسلفنا, لزوم مسجد لطاعة الله عز و جل , و قد يكون احيانا بصوم , و قد لا يكون بصوم , و قد اختلف أهل العلم : هل يصح الاعتكاف بدون صوم أو لا يصح إلا الصوم ؟ و لكن الاعتكاف المشروع إنما هو ما كان فيه ليالي العشر, عشر رمضان , لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعتكف هذه العشر رجاء لليلة القدر .



فاللهم بلغنا شهر رمضان المبارك, و أعنا فيه على ذكرك, و شكرك و حسن عبادتك, و صيامه مقبول و قيام مأجور يا رب العالمين .

و صلى الله على محمد و آله و أصحابه أجمعين و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
تعليقات

اعلاان




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-